الأربعاء، 13 نوفمبر 2024
من سورة إبراهيم
الأربعاء، 6 نوفمبر 2024
من سورة إبراهيم
من سورة إبراهيم
السبت، 19 أكتوبر 2024
من سورة الرعد
من سورة الرعد
الخميس، 17 أكتوبر 2024
من سورة الرعد
من سورة الرعد
الجمعة، 11 أكتوبر 2024
من سورة الرعد
الاثنين، 7 أكتوبر 2024
من سورة يوسف
من سورة يوسف
السبت، 5 أكتوبر 2024
من سورة يوسف
من سورة يوسف
الاثنين، 9 سبتمبر 2024
من سورة يوسف
صدقة جارية
تفسير اية رقم ٧٣_٧٦
من سورة يوسف
﴿قَالُوا۟ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِینَ (٧٣) قَالُوا۟ فَمَا جَزَ ٰۤؤُهُۥۤ إِن كُنتُمۡ كَـٰذِبِینَ (٧٤) قَالُوا۟ جَزَ ٰۤؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِی رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَ ٰۤؤُهُۥۚ كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوۡعِیَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَاۤءِ أَخِیهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَاۤءِ أَخِیهِۚ كَذَ ٰلِكَ كِدۡنَا لِیُوسُفَۖ مَا كَانَ لِیَأۡخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمࣱ (٧٦)﴾ [يوسف ٧٣-٧٦]
لَمَّا اتَّهَمَهُمْ أُولَئِكَ الْفِتْيَانُ بِالسَّرِقَةِ، قَالَ لَهُمْ إِخْوَةُ يُوسُفَ: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أَيْ: لَقَدْ تَحَقَّقْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مُنْذُ(١) عَرَفْتُمُونَا، لِأَنَّهُمْ(٢) شَاهَدُوا مِنْهُمْ سِيرَةً حَسَنَةً، أنَّا مَا جِئْنَا لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، أَيْ: لَيْسَتْ سَجَايَانَا تَقْتَضِي هَذِهِ الصِّفَةَ، فَقَالَ(٣) لَهُمُ الْفِتْيَانُ: ﴿فَمَا جَزَاؤُهُ﴾ أَيِ: السَّارِقُ، إِنْ كَانَ فِيكُمْ ﴿إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ عُقُوبَتَهُ إِنْ وَجَدْنَا فِيكُمْ مِنْ أَخَذَهُ(٤) ؟ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾وَهَكَذَا كَانَتْ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ السَّارِقَ يُدْفَعُ إِلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا بَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ، أَيْ فَتَّشَهَا قَبْلَهُ، تَوْرِيَةً، ﴿ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ بِحُكْمِ اعْتِرَافِهِمْ وَالْتِزَامِهِمْ وَإِلْزَامًا لَهُمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ وَهَذَا مِنَ الْكَيْدِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذَهُ فِي حُكْمِ مَلِكِ مِصْرَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ.وَإِنَّمَا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَنِ(٥) الْتَزَمَ لَهُ إِخْوَتُهُ بِمَا الْتَزَمُوهُ، وَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ؛ وَلِهَذَا مَدَحَهُ تَعَالَى فَقَالَ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ١١] .﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ عَالِمٌ إِلَّا فَوْقَهُ عَالِمٌ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ، فَتَعَجَّبُ رَجُلٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، اللَّهُ الْعَلِيمُ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ](٦) وَكَذَا رَوَى سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قَالَ: يَكُونُ هَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَاللَّهُ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. وَهَكَذَا(٧) قَالَ عِكْرِمَةُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى اللَّهِ، مِنْهُ بُدئ وَتَعَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ "وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ".
(١) في ت: "مذ".
(٢) في ت: "لا لأنهم".
(٣) في أ: "فقالت".
(٤) في أ: "فيهم من أخذها".
(٥) في ت: "أنه".
(٦) زيادة من ت، أ.
(٧) في ت، أ: "وكذا".
(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
السبت، 31 أغسطس 2024
من سورة يوسف
صدقة جارية
تفسير اية رقم ٥٨_٦٢
من سورة يوسف
﴿وَجَاۤءَ إِخۡوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا۟ عَلَیۡهِ فَعَرَفَهُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِی بِأَخࣲ لَّكُم مِّنۡ أَبِیكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّیۤ أُوفِی ٱلۡكَیۡلَ وَأَنَا۠ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ (٥٩) فَإِن لَّمۡ تَأۡتُونِی بِهِۦ فَلَا كَیۡلَ لَكُمۡ عِندِی وَلَا تَقۡرَبُونِ (٦٠) قَالُوا۟ سَنُرَ ٰوِدُ عَنۡهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَـٰعِلُونَ (٦١) وَقَالَ لِفِتۡیَـٰنِهِ ٱجۡعَلُوا۟ بِضَـٰعَتَهُمۡ فِی رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَعۡرِفُونَهَاۤ إِذَا ٱنقَلَبُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ (٦٢)﴾ [يوسف ٥٨-٦٢]
ذَكَرَ السُّدي، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي أَقْدَمَ إِخْوَةَ يُوسُفَ بِلَادَ مِصْرَ، أَنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا بَاشَرَ الْوَزَارَةَ بِمِصْرَ، وَمَضَتِ السَّبْعُ السِّنِينَ الْمُخْصِبَةُ، ثُمَّ تَلَتْهَا سنينُ الْجَدْبِ، وَعَمَّ الْقَحْطُ بِلَادَ مِصْرَ بِكَمَالِهَا، وَوَصَلَ إِلَى بِلَادِ كَنْعَانَ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا يَعْقُوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَوْلَادُهُ. وَحِينَئِذٍ احْتَاطَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلنَّاسِ فِي غَلَّاتِهِمْ، وَجَمَعَهَا أَحْسَنَ(١) جَمْعٍ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ مَبْلَغٌ عَظِيمٌ، وأهراءَ مُتَعَدِّدَةٌ هَائِلَةٌ، وَوَرَدَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْمُعَامَلَاتِ، يَمْتَارُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ، فَكَانَ لَا يُعْطَى الرَّجُلُ أَكْثَرَ مِنْ حَمْلِ بِعِيرٍ فِي السَّنَةِ. وَكَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا يُشْبِعُ نَفْسَهُ وَلَا يَأْكُلُ هُوَ وَالْمَلِكُ وَجُنُودُهُمَا إِلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فِي وَسَطِ النَّهَارِ، حَتَّى يَتَكَفَّى النَّاسُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مُدَّةَ السَّبْعِ سِنِينَ. وَكَانَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ.وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ بَاعَهُمْ فِي السَّنَةِ الْأَوْلَى بِالْأَمْوَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمَتَاعِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِكَذَا، وَفِي الرَّابِعَةِ بِكَذَا، حَتَّى بَاعَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بَعْدَمَا تَمَلَّك عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُونَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا، اللَّهُ(٢) أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا تُصَدَّقُ وَلَا تَكْذَّبُ.وَالْغَرَضُ أَنَّهُ كَانَ فِي جُمْلَةِ مِنْ وَرَدَ لِلْمِيرَةِ إخوةُ يُوسُفَ، عَنْ أَمْرِ أَبِيهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ بَلَغَهُمْ أَنَّ عَزِيزَ مِصْرَ يُعْطِي النَّاسَ الطَّعَامَ بِثَمَنِهِ، فَأَخَذُوا مَعَهُمْ بِضَاعَةً يَعْتَاضُونَ بِهَا طَعَامًا، وَرَكِبُوا عَشَرَةُ نَفَرٍ، وَاحْتَبَسَ يَعْقُوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَهُ بِنْيَامِينَ شَقِيقَ يُوسُفَ، عَلَيْهِمَا(٣) السَّلَامُ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ بَعْدَ يُوسُفَ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أُبَّهَتِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَسِيَادَتِهِ، عَرَفَهُمْ حِينَ نَظَرَ إِلَيْهِمْ، ﴿وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ أَيْ: لَا يَعْرِفُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ فَارَقُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ حَدَثٌ فَبَاعُوهُ(٤) لِلسَّيَّارَةِ، وَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهِ، وَلَا كَانُوا يَسْتَشْعِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَصِيرَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفُوهُ، وأما هو فعرفهم.فَذَكَرَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ شَرَعَ يُخَاطِبُهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِمْ: مَا أَقْدَمُكُمْ بِلَادِي؟ قَالُوا: أَيُّهَا الْعَزِيزُ، إِنَّا قَدِمْنَا لِلْمِيرَةِ. قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ عُيُونٌ؟ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ بِلَادِ كَنْعَانَ، وَأَبُونَا يَعْقُوبُ نَبِيُّ اللَّهِ. قَالَ: وَلَهُ أَوْلَادٌ غَيْرُكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، كُنَّا اثْنَى عَشَرَ، فَذَهَبَ أَصْغَرُنَا، هَلَكَ فِي البَرِيَّة، وَكَانَ أَحَبَّنَا إِلَى أَبِيهِ، وَبَقِيَ شَقِيقُهُ فَاحْتَبَسَهُ(٥) أَبُوهُ لِيَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ. فَأَمْرٌ بِإِنْزَالِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ.﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ أَيْ: وَفَّاهم كَيْلَهُمْ، وَحَمَّلَ لَهُمْ أَحْمَالَهُمْ قَالَ: ائْتُونِي بِأَخِيكُمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمْ، لِأَعْلَمَ صِدْقَكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ، ﴿أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ﴾ يُرَغِّبُهُمْ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَهَّبَهم فَقَالَ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ﴾ أَيْ: إِنْ لَمْ تَقْدَمُوا بِهِ مَعَكُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، فَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي مِيرَةٌ، ﴿وَلا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾ أَيْ: سَنَحْرِصُ عَلَى مَجِيئِهِ إِلَيْكَ بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَلَا نُبْقِي مَجْهُودًا لِتَعْلَمَ صِدْقَنَا فِيمَا قُلْنَاهُ.وَذَكَرَ السُّدِّيُّ: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ رَهَائِنَ حَتَّى يَقْدُمُوا بِهِ مَعَهُمْ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَرَغَّبَهُمْ كَثِيرًا، وَهَذَا لِحِرْصِهِ(٦) عَلَى رُجُوعِهِمْ.﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ﴾ أَيْ: غِلْمَانِهِ ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ﴾ وَهِيَ الَّتِي قَدِمُوا بِهَا لِيَمْتَارُوا عِوَضًا عَنْهَا ﴿فِي رِحَالِهِمْ﴾ أَيْ: فِي أَمْتِعَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ بِهَا.قِيلَ: خَشِيَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَلَّا يَكُونَ عِنْدَهُمْ بِضَاعَةٌ أُخْرَى يَرْجِعُونَ لِلْمِيرَةِ بِهَا. وَقِيلَ: تَذَمَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ عِوَضًا عَنِ الطَّعَامِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِذَا وَجَدُوهَا فِي مَتَاعِهِمْ تَحَرُّجًا وَتَوَرُّعًا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ(٧) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(١) في ت: "أتم".
(٢) في ت: "والله".
(٣) في ت: "عليه".
(٤) في ت: "وباعوه".
(٥) في ت: "فاحبسوه".
(٦) في ت: "ولهذا بحرصه" وفي أ: "ولهذا يحرضهم".
(٧) في ت، أ: "منهم ذلك".
(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
الجمعة، 30 أغسطس 2024
من سورة يوسف
الاثنين، 26 أغسطس 2024
من سورة يوسف
الأربعاء، 14 أغسطس 2024
من سورة يوسف
صدقة جارية
تفسير اية رقم ١٥
من سورة يوسف
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [يوسف ١٥]
يَقُولُ تَعَالَى: فَلَمَّا ذَهَبَ(١) بِهِ إِخْوَتُهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ، ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ هَذَا فِيهِ تَعْظِيمٌ لِمَا فَعَلُوهُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى إِلْقَائِهِ فِي أَسْفَلِ ذَلِكَ الْجُبِّ، وَقَدْ أَخَذُوهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ فِيمَا يُظهرونه لَهُ إِكْرَامًا لَهُ، وَبَسْطًا وَشَرْحًا لِصَدْرِهِ، وَإِدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: إِنَّ يَعْقُوبَ(٢) عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا بَعَثَهُ مَعَهُمْ ضَمَّهُ إِلَيْهِ، وقَبَّله وَدَعَا لَهُ.وَقَالَ(٣) السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إِكْرَامِهِمْ لَهُ وَبَيْنَ إِظْهَارِ الْأَذَى لَهُ، إِلَّا أَنْ غَابُوا عَنْ عَيْنِ أَبِيهِ وَتَوَارَوْا عَنْهُ، ثُمَّ شَرَعُوا يُؤْذُونَهُ بِالْقَوْلِ، مِنْ شَتْمٍ وَنَحْوِهُ، وَالْفِعْلِ مِنْ ضَرْب وَنَحْوِهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجُبِّ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى رَمْيِهِ فِيهِ فَرَبَطُوهُ بِحَبْلٍ وَدَلُّوهُ فِيهِ، فَجَعَلَ إِذَا لَجَأَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَطَمَهُ وشَتمه، وَإِذَا تَشَبَّثَ بِحَافَاتِ الْبِئْرِ ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ قَطَعُوا بِهِ الْحَبْلَ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ، فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ فَغَمَرَهُ، فَصَعِدَ إِلَى صَخْرَةٍ تَكُونُ فِي وَسَطِهِ، يُقَالُ لَهَا: "الرَّاغُوفَةُ"(٤) فَقَامَ فَوْقَهَا.قال الله تعال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذَاكِرًا لُطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ وَعَائِدَتَهُ(٥) وَإِنْزَالَهُ الْيُسْرَ فِي حَالِ الْعُسْرِ: إِنَّهُ أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الضَّيِّقِ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَتَثْبِيتًا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَحْزَنْ مِمَّا(٦) أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ فَرَجًا وَمُخْرَجًا حَسَنًا، وَسَيَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُعْلِيكَ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَكَ، وَسَتُخْبِرُهُمْ(٧) بِمَا فَعَلُوا مَعَكَ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ -قَالَ [مُجَاهِدٌ و](٨) قَتَادَةُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِإِيحَاءِ اللَّهِ إِلَيْهِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَتُنْبِئُهُمْ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا فِي حَقِّكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَكَ، وَلَا يَسْتَشْعِرُونَ بِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عُبادة الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَى يُوسُفَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، قَالَ: جِيءَ بِالصُّوَاعِ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ: أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ "يُوسُفُ"، يُدْنِيهِ دُونَكُمْ، وَأَنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ فَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ -قَالَ: ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ -فَأَتَيْتُمْ أَبَاكُمْ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذب -قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لَيُخْبِرُهُ بِخَبَرِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا نَرَى(٩) هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِيهِمْ: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(١٠) .
(١) في ت، أ: "ذهب".
(٢) في ت، أ: "يوسف".
(٣) في ت: "فذكر".
(٤) في أ: "الراغوف".
(٥) في ت: "وعائد به".
(٦) في ت، أ: "فيما".
(٧) في ت، أ: "وسيجزيهم".
(٨) زيادة من ت.
(٩) في ت: "فلا يرى"، وفي أ: "فلا نرى".
(١٠) تفسير الطبري (١٥/٥٧٦) .
(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
من سورة يوسف
صدقة جارية
تفسير اية رقم ١٥
من سورة يوسف
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [يوسف ١٥]
يَقُولُ تَعَالَى: فَلَمَّا ذَهَبَ(١) بِهِ إِخْوَتُهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ، ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ هَذَا فِيهِ تَعْظِيمٌ لِمَا فَعَلُوهُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى إِلْقَائِهِ فِي أَسْفَلِ ذَلِكَ الْجُبِّ، وَقَدْ أَخَذُوهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ فِيمَا يُظهرونه لَهُ إِكْرَامًا لَهُ، وَبَسْطًا وَشَرْحًا لِصَدْرِهِ، وَإِدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: إِنَّ يَعْقُوبَ(٢) عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا بَعَثَهُ مَعَهُمْ ضَمَّهُ إِلَيْهِ، وقَبَّله وَدَعَا لَهُ.وَقَالَ(٣) السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إِكْرَامِهِمْ لَهُ وَبَيْنَ إِظْهَارِ الْأَذَى لَهُ، إِلَّا أَنْ غَابُوا عَنْ عَيْنِ أَبِيهِ وَتَوَارَوْا عَنْهُ، ثُمَّ شَرَعُوا يُؤْذُونَهُ بِالْقَوْلِ، مِنْ شَتْمٍ وَنَحْوِهُ، وَالْفِعْلِ مِنْ ضَرْب وَنَحْوِهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجُبِّ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى رَمْيِهِ فِيهِ فَرَبَطُوهُ بِحَبْلٍ وَدَلُّوهُ فِيهِ، فَجَعَلَ إِذَا لَجَأَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَطَمَهُ وشَتمه، وَإِذَا تَشَبَّثَ بِحَافَاتِ الْبِئْرِ ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ قَطَعُوا بِهِ الْحَبْلَ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ، فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ فَغَمَرَهُ، فَصَعِدَ إِلَى صَخْرَةٍ تَكُونُ فِي وَسَطِهِ، يُقَالُ لَهَا: "الرَّاغُوفَةُ"(٤) فَقَامَ فَوْقَهَا.قال الله تعال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذَاكِرًا لُطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ وَعَائِدَتَهُ(٥) وَإِنْزَالَهُ الْيُسْرَ فِي حَالِ الْعُسْرِ: إِنَّهُ أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الضَّيِّقِ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَتَثْبِيتًا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَحْزَنْ مِمَّا(٦) أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ فَرَجًا وَمُخْرَجًا حَسَنًا، وَسَيَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُعْلِيكَ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَكَ، وَسَتُخْبِرُهُمْ(٧) بِمَا فَعَلُوا مَعَكَ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ -قَالَ [مُجَاهِدٌ و](٨) قَتَادَةُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِإِيحَاءِ اللَّهِ إِلَيْهِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَتُنْبِئُهُمْ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا فِي حَقِّكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَكَ، وَلَا يَسْتَشْعِرُونَ بِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عُبادة الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَى يُوسُفَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، قَالَ: جِيءَ بِالصُّوَاعِ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ: أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ "يُوسُفُ"، يُدْنِيهِ دُونَكُمْ، وَأَنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ فَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ -قَالَ: ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ -فَأَتَيْتُمْ أَبَاكُمْ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذب -قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لَيُخْبِرُهُ بِخَبَرِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا نَرَى(٩) هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِيهِمْ: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(١٠) .
(١) في ت، أ: "ذهب".
(٢) في ت، أ: "يوسف".
(٣) في ت: "فذكر".
(٤) في أ: "الراغوف".
(٥) في ت: "وعائد به".
(٦) في ت، أ: "فيما".
(٧) في ت، أ: "وسيجزيهم".
(٨) زيادة من ت.
(٩) في ت: "فلا يرى"، وفي أ: "فلا نرى".
(١٠) تفسير الطبري (١٥/٥٧٦) .
(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
من سورة يوسف
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [يوسف ١٥]
يَقُولُ تَعَالَى: فَلَمَّا ذَهَبَ(١) بِهِ إِخْوَتُهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ، ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ هَذَا فِيهِ تَعْظِيمٌ لِمَا فَعَلُوهُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى إِلْقَائِهِ فِي أَسْفَلِ ذَلِكَ الْجُبِّ، وَقَدْ أَخَذُوهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ فِيمَا يُظهرونه لَهُ إِكْرَامًا لَهُ، وَبَسْطًا وَشَرْحًا لِصَدْرِهِ، وَإِدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: إِنَّ يَعْقُوبَ(٢) عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا بَعَثَهُ مَعَهُمْ ضَمَّهُ إِلَيْهِ، وقَبَّله وَدَعَا لَهُ.وَقَالَ(٣) السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إِكْرَامِهِمْ لَهُ وَبَيْنَ إِظْهَارِ الْأَذَى لَهُ، إِلَّا أَنْ غَابُوا عَنْ عَيْنِ أَبِيهِ وَتَوَارَوْا عَنْهُ، ثُمَّ شَرَعُوا يُؤْذُونَهُ بِالْقَوْلِ، مِنْ شَتْمٍ وَنَحْوِهُ، وَالْفِعْلِ مِنْ ضَرْب وَنَحْوِهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجُبِّ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى رَمْيِهِ فِيهِ فَرَبَطُوهُ بِحَبْلٍ وَدَلُّوهُ فِيهِ، فَجَعَلَ إِذَا لَجَأَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَطَمَهُ وشَتمه، وَإِذَا تَشَبَّثَ بِحَافَاتِ الْبِئْرِ ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ قَطَعُوا بِهِ الْحَبْلَ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ، فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ فَغَمَرَهُ، فَصَعِدَ إِلَى صَخْرَةٍ تَكُونُ فِي وَسَطِهِ، يُقَالُ لَهَا: "الرَّاغُوفَةُ"(٤) فَقَامَ فَوْقَهَا.قال الله تعال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذَاكِرًا لُطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ وَعَائِدَتَهُ(٥) وَإِنْزَالَهُ الْيُسْرَ فِي حَالِ الْعُسْرِ: إِنَّهُ أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الضَّيِّقِ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَتَثْبِيتًا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَحْزَنْ مِمَّا(٦) أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ فَرَجًا وَمُخْرَجًا حَسَنًا، وَسَيَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُعْلِيكَ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَكَ، وَسَتُخْبِرُهُمْ(٧) بِمَا فَعَلُوا مَعَكَ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ -قَالَ [مُجَاهِدٌ و](٨) قَتَادَةُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِإِيحَاءِ اللَّهِ إِلَيْهِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَتُنْبِئُهُمْ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا فِي حَقِّكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَكَ، وَلَا يَسْتَشْعِرُونَ بِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عُبادة الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَى يُوسُفَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، قَالَ: جِيءَ بِالصُّوَاعِ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ: أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ "يُوسُفُ"، يُدْنِيهِ دُونَكُمْ، وَأَنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ فَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ -قَالَ: ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ -فَأَتَيْتُمْ أَبَاكُمْ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذب -قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لَيُخْبِرُهُ بِخَبَرِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا نَرَى(٩) هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِيهِمْ: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(١٠) .
(١) في ت، أ: "ذهب".
(٢) في ت، أ: "يوسف".
(٣) في ت: "فذكر".
(٤) في أ: "الراغوف".
(٥) في ت: "وعائد به".
(٦) في ت، أ: "فيما".
(٧) في ت، أ: "وسيجزيهم".
(٨) زيادة من ت.
(٩) في ت: "فلا يرى"، وفي أ: "فلا نرى".
(١٠) تفسير الطبري (١٥/٥٧٦) .
(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
من سورة يوسف
صدقة جارية
تفسير اية رقم ١٣_١٤
من سورة يوسف
﴿قَالَ إِنِّی لَیَحۡزُنُنِیۤ أَن تَذۡهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن یَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَـٰفِلُونَ (١٣) قَالُوا۟ لَىِٕنۡ أَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّخَـٰسِرُونَ (١٤)﴾ [يوسف ١٣-١٤]
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ(١) يَعْقُوبَ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ فِي جَوَابِ مَا سَأَلُوا مِنْ إِرْسَالِ يُوسُفَ مَعَهُمْ إِلَى الرَّعْيِ فِي الصَّحْرَاءِ: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ أَيْ: يَشُقُّ عَلَيَّ مفارقتُهُ مُدَّةَ ذَهَابِكُمْ بِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ، وَذَلِكَ لفَرْط مَحَبَّتِهِ لَهُ، لِمَا يَتَوَسَّمُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ، وَشَمَائِلِ النُّبُوَّةِ وَالْكَمَالِ فِي الخُلُق وَالْخَلْقِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ يَقُولُ: وَأَخْشَى أَنْ تَشْتَغِلُوا عَنْهُ بِرَمْيِكُمْ ورَعْيتكم(٢) فَيَأْتِيهِ ذِئْبٌ فَيَأْكُلُهُ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ، فَأَخَذُوا مِنْ فَمِهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَجَعَلُوهَا عُذْرَهُمْ فِيمَا فَعَلُوهُ، وَقَالُوا مُجِيبِينَ عَنْهَا فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ يَقُولُونَ: لَئِنْ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَكَلَهُ مِنْ بَيْنِنَا، وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ، إِنَّا إذًا لهالكون عاجزون.
(١) في ت، أ: "عن نبي الله".
(٢) في ت: "ورعيكم".
(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))