صدقة جارية
تفسير اية رقم ٦من
سورة الرعد
﴿وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّیِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَـٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةࣲ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الرعد ٦]
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾(١) أَيْ: هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ ﴿بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ أَيْ: بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ [الْحِجْرِ:٦ -٨] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ٥٣، ٥٤] وَقَالَ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [الْمَعَارِجِ: ١] وَقَالَ: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [الشُّورَى: ١٨] ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] أَيْ: حِسَابَنَا وَعِقَابَنَا، كَمَا قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] فَكَانُوا(٢) يَطْلُبُونَ مِنَ الرَّسُولِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ تَكْذِيبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ﴾ أَيْ: قَدْ أَوْقَعْنَا نِقْمَتَنَا بِالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ وَجَعَلْنَاهُمْ مُثْلَةً وَعِبْرَةً وَعِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِمْ.ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلَا حلمه وعفوه [وغفره](٣) لعالجهم بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فَاطِرٍ: ٤٥](٤) .وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ أَيْ: إِنَّهُ ذُو عَفْوٍ وَصَفْحٍ(٥) وَسَتْرٍ لِلنَّاسِ مَعَ أَنَّهُمْ يَظْلِمُونَ وَيُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. ثُمَّ قَرَنَ هَذَا الْحُكْمَ بِأَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِيَعْتَدِلَ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٤٧] وَقَالَ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٦٧] وَقَالَ: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ﴾ [الْحِجْرِ:٤٩، ٥٠] إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَجْمَعُ الرَّجَاءَ وَالْخَوْفَ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّب قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَوْلَا عفوُ اللَّهِ وتجاوُزه، مَا هَنَّأَ أَحَدًا الْعَيْشَ(٦) وَلَوْلَا وَعِيدُهُ(٧) وَعِقَابُهُ، لَاتَّكَلَ كُلُّ أَحَدٍ"(٨) .وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ أَبِي حَسَّانَ الزِّيَادَيِّ: أَنَّهُ رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ فِي النَّوْمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ يُشَفَّعُ فِي رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَكْفِكَ أَنِّي أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ ؟ قَالَ: ثُمَّ انْتَبَهْتُ.(٩)
(١) في ت، أ: "ويستعجلك" وهو خطأ.
(٢) في ت: "وكانوا".
(٣) زيادة من أ.
(٤) في ت: "الناس بظلمهم" وهو خطأ.
(٥) في ت: "ذو صفح وغفر".
(٦) في ت: "العريش".
(٧) في ت: "وعده".
(٨) ورواه الواحدي في الوسيط (٣/٦) من طريق محمد بن أيوب، عن موسى بن إسماعيل، به مرسلا.
(٩) تاريخ دمشق (٤/٤٧١) "المخطوط") .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق